مواضيعتعليمعلماءخصوصيات إباضِيَّة

خصوصيات إباضِيَّة

بواسطة : admin | آخر تحديث : 15 مارس، 2021 | المشاهدات: 297

خصوصيات إباضِيَّة

كانت قلة الاطلاع المتعمق على كتب أهل مدرسة معينة من أهم أسباب غبش التصور وخلط المفاهيم مِمَّا أدّى إلى أخطاء جسيمة أنتجت الإقصاء والتكفير.
وقد أفرز اجتهاد علماء الإباضِيَّة -عبر الأجيال- الكثير من المصطلحات والمسائل المستمدة غالبًا من النصوص الشرعية اختصوا بها – تأصيلا أو تفريعا- دون غيرهم من إخوانهم من المذاهب الإسلاميَّة الأخرى ومنها في العقيدة والفكر:
1. الكفر: يصطلح الإباضِيَّة على الاجتراء على اللَّه بترك ما فرض، كالصلاة والصوم والزكاة، وارتكاب ما حرم، كالزنا والربا والسرقة وشرب الخمر من غير استحلال للفعل أو الترك بكفر النعمة ويرادفه النفاق العملي والفسوق ويسميه غيرهم -كالإمام البخاري -كفرًا دون كفر، وهي مأخوذة من قوله -تعالى-: ((إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا))، وقول النبي -صَلَّى اللَّه عليهِ وسَلَّم-: وهو لا يؤدي بصاحبه إلى الخروج من الملَّة، إذ تبقى له جميع أحكام الإسلام في الدنيا فتجوز مناكحته وتبقى موارثته ويُدفَن مع المسلمين، غير أنَّه يُسلب الولاية وهي المحبة في اللَّه.
2. الولاية والبراءة والوقوف: يقول اللَّه -تعالى-: “فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ”، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ لَمْ يُؤْثِرْنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ أَحْدَثَ فِي الإِسْلاَمِ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ لَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَلَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا” قَالَ الرَّبِيعُ: مَعْنَى هَذَا كُلِّهِ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ.
الولاية: هي الحب القلبي والثناء اللساني والنصر والتأييد والإعانة بالجوارح عند المقدرة، والدعاء والترحم والاستغفار لكل من ثبت صلاحه واستقامته عقيدة وفكرًا وعملًا، وهي نقيض البراءة.
وأشهر أقسام الولاية والبراءة:
أ- ولاية وبراءة الجملة: فرض عين، وهي تشمل جميع الخلائق من عهد سيدنا آدم إلى قيام الساعة من غير تعيين.
ب- ولاية براءة الحقيقة: لِشخص معيَّن بنص قطعي كالأنبياء والرجل في سورة يٰس وفرعون وأبي لهب.
ج- ولاية وبراءة الأشخاص (أو الظاهر): وهي التي أمر اللَّه -سبحانه وتعالى- بها في قوله: “… وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا.. ” وغيرها من الآيات الكريمة؛ فمن ثبت ارتكابه للكبيرة بالمشاهدة أو الشهود أو الشهرة المحقة أو الإقرار تجب البراءة منه بعد إعذاره واستتابته من محرَّمٍ قطعي الحكم، فإن تاب فحكمه الوَلاَية ومن جُهِل حاله كان حكمه الوقوف، وقد انفرد بتفصيلاتها أصحابنا – رضوان اللَّه عليهم -.
وولاية وبراءة الظاهر مبنية على ما ظهر للإنسان ولا يلزم أن يكون حاله عند اللَّه كما حكم عليه عند الناس خلافًا لولاية وبراءة الحقيقة.
والمقصود من البراءة الزجر عن المعصية، وإعانة العاصي على الرجوع إلى الصواب والحق، ولا يتنافى ذلك مع حسن المعاملة، ولقد اتُّبِعَ هذا المبدأ عند الإباضِيَّة في المغرب والمشرق، واتَّخذ منه نظام العزّابة بالمغرب وسيلة اجتماعية رادعة، صانت المجتمع الإباضِيَّ عن الانحراف إلى حد كبير.
3. مسالك الدين: من أصول الفكر السياسي عند الإباضِيَّة لتنظيم مراحل إقامة الدين والتدرج في العملية السياسية وفق نظام دستوري وهي من اجتهاد علمائنا وفق ما توفر لديهم من أدلة من القرآن والسنة ومراعاة مقاصد الشارع، وهي على مراتب:
أ. الظهور: لِدولة المسلمين كامل السلطة ويتولَّى أمورها إمام يُختار بالشورى ويقيم الأحكام ويطبق الحدود مثل عهد النبي -صَلَّى اللَّه عليهِ وسَلَّم- والشَّيخين من بعده وأبي الخطاب المعافري في طرابلس المغرب ومن بعده أئمة الدولة الرستمية وغالب أئمة عمان.
يقول الإمام السالمي في جوهر النظام:
وللعمانيين والمغاربة//وحضرموت أمراء غالبة
يشابهون العمرين عدلا//وورعا وثقة وفضلا
مضوا على نهج الصواب فلهم//حسن الثنا مع الرضا من ربهم.
ب. الدفاع: في حالة محاربة عدو يهدِّد كيان الدولة، فيلزم استنفار الأمة بقيادة إمام يتميَّز بالأهلية القيادية والعسكرية خاصَّة، وتنتهي إمامته بانتهاء الحرب ومثاله الإمام أبي خرز الوسياني.
جـ. الشراء: عند غلبة الجور وعدم إمكان إقامة الإمامة العادلة فتضيع الحقوق وتُنتهك الحرمات، يجتمع طائفة من المؤمنين لمحاولة الحد من هذا الفساد لإقلاق العدو ومحاولة مباغتته تأديبًا له على تصرفاته كما حصل في عهد زياد بن أبيه عندما أخذ يتتبع أهل الحق تقتيلا وتشريدا وتمثيلا فبايعوا أبا بلال مرداس بن حدير فخرج آبيًا أن يستعرض الناس بالسيف إلا من قاتله وقال: “إن الإقامة على الرضا بالجور لذنب، وإن تجريد السيف وإخافة الناس لعظيم، ولكن نسير في أرض الله ولا نجرد سيفا، وإن أرادنا قوم بظلم امتنعت منهم”، وكانوا أربعين رجلًا – وهو الحد الأدنى لعدد الشُّراة – فنصرهم اللَّه على ألفي مقاتل بآسك حتى قال شاعر الأمويين:
ءألفا مؤمن فيما زعمتم//ويهزمهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم//ولكن الخوارج مؤمنونا
هي الفئة القليلة قد علمتم//على الفئة الكثيرة ينصرونا
د. الكتمان: عندما يكون المسلمون في ضعف وتشتت فيرجعون إلى واحد منهم ليرشدهم ويقوم بما أمكن من مصالحهم، وتتركز الجهود على إعداد الدعاة ورعاية المجتمع وصيانته من آثار فقد السلطة العادلة.
وكثيرًا ما يتولد الظهور عن الكتمان كما حدث في عهد النبي -صَلَّى اللَّه عليهِ وسَلَّم- بقيام دولة الإسلام في المدينة المنورة، وهكذا أثمر جهد جابر بن زيد ومن بعده خليفته أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة إذ حقَّق اللَّه على أيديهم قيام نظام العدل في المشرق والمغرب معا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ومن مظاهر حرص الإباضِيَّة على وحدة المسلمين تمسكهم بالهوية الإسلاميَّة بكافة صورها فيسمون أنفسهم جماعة المسلمين وأهل الدعوة وأهل الحق والاستقامة، وأمَّا تسميتهم بالإباضِيَّة فكانت في البداية من قبل خصومهم نسبة إلى الإمام عبد اللَّه بن إباض لدفاعه العلني عن مبادئه التي آمن بها لقوة قبيلته تميم، غير أنَّه ما كان قائدًا فكريًا أو علميًّا للمذهب، من هنا لا تجد له مسألة فقهية في الكتب الإباضِيَّة، وقد ظهرت تسمية الإباضِيَّة في مؤلفاتهم خلال القرن الثالث الهجريِّ تقريبًا.

الكلمات المفتاحية: